المؤلف: ماريو براغاس يوغسا
تاريخ النشر : 2016
الطبعة:
المترجم : صالح علماني
ISBN :
"كان صوتها بلسماً، ماء بارداً وشفافاً يغرق فيه بجسده وروحه، ويتطهر، يستعيد السكينة، يستمتع، وينبعث من أعمق أعماقه شيء صحي، عذب، متفائل. حاول ألا يفكر بمابيل، وألا يتذكر أشد اللحظات التي أمضاها معها زخماً وسعادة خلال تلك السنوات الثمانية، بل تذكر فقط أنها قد خانته، وأنها نامت مع ميغيل وتواطأت معه، وأرسلت له رسائل العنكبوت، وتظاهرت بأنها مختطفة، وأحرقت مكتبه. هذا هو ما عليه أن يتذكره فقط، كيلا تكون شديدة المرارة عليه فكرةُ أنه لن يعود إلى رؤيتها أبداً. *** ماذا جرى لخوسيفيتا؟ إنها مختلفة. أكثر أناقة وتبرجاً من العادة، ترتدي ملابس مبهرجة ولطيفة. تظهر على محياها بين حين وآخر بعض الابتسامات وحمرة خجل لعوبة. وبدا له أنها، عند المشي، تهز مؤخرتها أكثر قليلاً مما كانت عليه من قبل. ــ إذا كنتِ راغبة في أن تخبريني بسرٍ، فإنني أؤكد لك أنني قبر أسرار يا خوسيفيتا. وإذا كان في الأمر أحزان حب فسأكون سعيداً بأن أتحول إلى منديلٍ لدموعك. ــ لا أدري ماذا عليّ أن أفعل يا دون فيليثيتو ــ خفضت صوتها وقد كستها حمرة الخجل من رأسها حتى قدميها. أدنت رأسها من رئيسها، وهمست له وهي ترمش بعينيها كطفلة بريئة:ــ لاحظ أن نقيب الشرطة ذاك يواصل الاتصال بي هاتفياً. لماذا يا ترى؟ كي يدعوني للخروج معه طبعاً! لم يكن ما يشعر به حين يطير هو الخوف بالضبط، وإنما شيء أشد زخماً من الخوف، إنه اليقين بأن ذلك الوضع قد يكون النهاية في أية لحظة: تفككُ الجسد خلال جزء من الثانية، وربما الكشف عن السر الكبير الغامض، بمعرفة أن هنالك ما هو بعد الموت، ثمة احتمال، انطلاقاً من لا أدريته القديمة التي لم تكد تخفف منها السنون، يميل أكثر إلى استبعاده. ولكنّ بعض القراءات تتوصل إلى سدّ الطريق أمام ذلك الإحساس الهاجسي المشؤوم، إنها قراءات تتمكن من امتصاص ذلك الهاجس بطريقة يستغرق معها في ما يقرأه، وينسى تماماً كل ما سواه. "