عرض
X










ثنائية السرد والإيقاع

المؤلف: صالح محمد حسن أرديني

تاريخ النشر : 2011

الطبعة: 1

المترجم :

ISBN : 978-9933-432-96-9

هذا الكتاب

"تقوم فكرةُ البحثِ على ثُنائيةِ العلاقَةِ بَيْنَ السَّرد والإيقاع بوصفِهما حالتين مُتلازمتين مُتلاحمتين وليستا حالتين مُنْفَصِلَتين مُتَضادَّتَين بِنَسَقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كما في المفهوم البنيوي. والثُنائية لدينا مُتحايثة وليست متضادَّة، فالسَّردُ والإيقاعُ يسيران في تيارٍ واحدٍ ويركبان موجةً واحدةً؛ إنَّهُ تيَّارُ الحَرَكَةِ والسُّكون ومَوجَةُ السُّرعَة والهدوء، فضلا عن مقوِّماتٍ إيقاعية داخلية أخرى تتصل بها تتمثل بشُيوعِ حروف المَدِّ التي تعني المزيد من الامتداد في الزمن ومِنْ ثمَّ هدوء حَرَكَةِ السَّرد، والتكرارات سواء أكانت على مستوى الصوت الواحد أم على مستوى المفردات وما إلى ذلك من امتداد أو اختزال يخصُّ طبيعةَ المُفردة الواحدة، آخذين بنظر الاعتبار حركة الشخصيات ووظائفها التي يستدعي فعلها سرعةً أو تَماهُلا في إنجاز الأعمال والوظائف مجسَّدة عَبْرَ حِوار يَتَطلَّبُ إجابة سريعة فورية، أو بطيئة تأملية، أو عَبْرَ وَصْفٍ يتركَّز في جانب من جوانب الحدث أو في شخصية من شخصياته أو في موقع من مواقعه.تأتي أهميَّةُ دراسة (ثنائية السَّرد والإيقاع في شعر عمر بن أبي ربيعة) من تَوافرِ شعره على هاتين التقانتين / الوسيلتين وتلازمهما في إنتاج الدلالة المُعبِّرة والصورة المُوحيَة، ومن تَفرُّد شعره في التعبير عن حالات مُتَعدِّدة من قصَصٍ عاطفيَّةٍ تدور بين شخصية ذكورية ومجموعة من شخصيات أنثوية / نسائية يُعبَّر عنها بِلُغَةٍ حِكائِيَّةٍ تَسْرُدُ طبيعة هذه العلاقات وما ينتابها ضمن أُطُرٍ اجتماعية وحياتية تَمكَّنَ الشَّاعر من أن يعلوَ عليها فَتجسَّد أنموذجاً خاصاً مُتميِّزاً مُتَفرِّداً لايَسْتَهينُ بالمرأَةِ بل يَحْتَرِمُها وَيُقدِّمُ لها كلَّ انفعالاتِهِ وخيالاته وَيُوِقفُ من أجلها كلَّ فنِّه كي يصوغَ أُنشودة العصر التي تدلُّ على الرُّقي والوعي في النظرة إلى المرأة. إننا ندرس شعراً غير مُخاتِلٍ وغيْرَ مُزيَّفٍ يرسُمُ لنا صورة تَنطقُ، وندرس شاعراً غير هيَّاب وغير مُماليء، شاعراً مغايراً إنْ كان على مستوى الشخصية أو على مستوى صياغة الحدث أو صنع الخيال، إنَّه يتفرَّد بالتعبير عن ذاته ويعلن ذلك على الملأ لذلك استحق شعره العناية والاهتمام والخلود. إننا لانَخْضَعُ في دراستنا للمرويات التاريخية التي حاكَتْ الكثيرَ من الأَخْبارِ والأَسمارِ حول هذه الشخصية النرجسية التي تُحَبُّ وتُحِبُّ، ولا للدراسات التي نَظَرَتْ إليهِ شَخصيَةً (دونُجوانية) في ظِلِّ أحكامٍ جاهزةٍ تُنْبيءُ عَنْ تَسْطيحٍ لقراءَةِ شِعْرِه. إن معيارنا الوحيد وحُكْمنا الفيصل النُّصوص الشِّعرية التي ننظر إليها بوصفها وثيقة لتاريخية مشاعر إنسانية تحتوي الانفعالات والعواطف التي لايمكن أن تخضع لنسبية الصدق والكذب أو القوة والضعف أو مايَعْتَوِرُها مِنْ نِسيانٍ وضَياعٍ مُعْتَمِدينَ في ذلك على مُعْطَياتِ النَّقْد الحَديثِ الذي يَنظُرُ إلى النصٍّ بوصفِهِ وحْدةً بنائيةً مُسْتَقلَّةً عن تاريخ صاحبها، وعلى تذوقنا الشخصي وقدرتنا الذاتية في تحليل النصوص الشعرية التي نعتقد أنها تُشكِّلُ مادة الأدب التي لاينبغي أنْ يغفلَ عَنْها دارسٌ فيصرف جهده في البحث عن عوامل جانبية لا صلة لها بالإبداع الذي تتشكل فيه الفكرة باللغة ويتفاعل فيه السرد بالإيقاع.إنَّنا نعتقدُ أنَّ شاعرَنا لمْ يَعُدْ بحاجَةٍ إلى المزيدِ ممَّا قِيْلَ عنه فيما يخص حياته وما يَعْتَوِرُها، بل هو بحاجة إلى الكشف عن الكنوز التي تَكْمُنُ في أشعاره التي أوْدَعَها حياته وتَجْرِبَتَه الشعرية المتميزة.لعلَّ عُمَرَ بنَ أبي ربيعة أبرَزُ شاعِرٍ حَظِيَ بالدِّراسَة والاهتمام مُنْذُ الرُّبع الأول من القرن الماضي وإلى يومنا هذا فيما يخصُّ جوانبَ عديدةً من حياتهِ وشعرِهِ ذَكَرْنا أغلبها في أثناء هذا البحث، لكنَّ موضوعَ دراستنا (ثُنائيَّةُ السَّردِ والإيقاعِ في شعرِ عُمَرَ بن أبي ربيعة) لَمْ يَفْطَنْ إليه أحد ـ فيما أعلم ـ فَدَرَسَهُ دراسةً مستقلةً؛ وحتَّى الدراسات التي تطرَّقتْ إلى جانبٍ واحدٍ من جوانب الثنائية لم تكن مُتَخَصِّصَةً فيه إنَّما عَرَضَتْ لَهُ ضِمْنَ موضوعات أخرى وَبِشَكْلٍ جُزْئي لايكادُ يُمثِّلُ صورةً واضحةً عن بنية السَّرد أو عن بنية الإيقاع في شعره فضلا عن كليهما معا. نَذْكُرُ من هذه الدراسات (البنية القصصية في الشعر الأموي: دراسة فنية أسلوبية) للباحث محمد سعيد الجبوري، و(شعر الحب في العصر الأموي: دراسة في الثنائيات) للباحثة هناء جواد، و(شعر عمر بن أبي ربيعة: دراسة أسلوبية) للباحثة أمل عبدالله السامرائي، و(شعر الحب عند عمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر) للباحثة آن تحسين الجلبي. فجاء اختيارنا لهذا الموضوع لِسَدِّ فَراغٍ في هذا المجال ومُحاولةِ كَسْرِ الرَّتابة في الدِّراسات الأدبية التي تَلْجَأُ إلى التجزئة أكثر مما تلجأ إلى الوحدة معتمدين في ذلك على إحصائيات علمية دقيقة تبحث في طبيعة العلاقة المُتَحايِثَة بَيْنَ السَّرد والإيقاع؛ لذلك كُنْتُ بِمُواجَهَةِ موضوع جديد وشائك أَُعِدُّهُ مُغامرَةً نقديَّةً كبيرةً تُؤكِّدُ تَحقُّق السَّرد في الشِّعر الغنائي وَتَصِلُ هذا السرد ببنية لاتقل أهمية عنه هي البنية الإيقاعية؛ احْتاجَ منِّي إعمالَ الفكر وإجالةَ النَّظَر والبَحْث عَنْ كُلِّ ماهو جديد وقديم من المصادر والمراجع، بما يحقق توازنا في خدمة بحثنا الذي يدرس تقانتين حديثتين في شعر غنائي قديم في تلاحم وتكامل للوصول إلى نتائج إيجابية تخص السرد والإيقاع. وكان شرح ديوان الشاعر الوثيقة الرئيسة في التدليل على الموضوع، علما أنني قمت بانتقاء طائفة من القصائد المتنوعة التي تمثل البحور الشعرية والقوافي في علاقتها بالبنية النصية والسردية التي اعتمدها الشاعر.تَوزَّعَتْ خُطَّةُ البَحْثِ على تمهيد وثلاثة فصول، انقسم التمهيد إلى محورين؛ أسَّسَ المحور الأول للعلاقة بين السردي والشعري، وأسس المحور الثاني للعلاقة بين الإيقاعي والشعري؛ ليكون منطلقا للبحث في التداخل والتمازج وفي التحليل والكشف والرؤية. وتناول الفصل الأول السرد وإيقاع البحور المركَّبة اشتمل على نماذج من البحور المركبة الستة التي استخدمها الشاعر. ودرس الفصل الثاني السرد وإيقاع البحور المفردة واشتمل على نماذج من البحور المفردة الستة التي وردت في ديوان الشاعر. وجاء السرد وإيقاع القافية في الفصل الثالث ليستكمل الجوانب الإيقاعية التي اعتمدها الشاعر في شعره في وحدة سردية تربط القصيدة من أولها إلى آخرها تشدها جوانب الإيقاع الداخلي بدءً من التصريع والترصيع والتجمعات الصوتية مرورا بالتكرار كثرة أو قلة وانتهاءً بحروف المد شيوعا أو ندرة. وبعد فإنَّ البَحْثَ جُهْدٌ مُتواضع تَجَشَّمْتُ فيه عناء موضوع شائكٍ جديدٍ بأسلوبٍ تحليلي ينطلق من النُّصوص الشِّعرية ضِمْنَ معطيات نقدية معاصرة. آمل أن أكون قد حققت مايفيد، وقدمت ماينفع، والله من وراء القصد. صالح محمد حسن أرديني"