عرض
X










فصول من الأدب الياباني الحديث

المؤلف: كاواباتا وتانيزاكي وآخرون

تاريخ النشر : 2021

الطبعة: 1

المترجم : محمود يعقوب

ISBN : 978-993-592-91-2

هذا الكتاب

"أن ياسوناري كاواباتا قد امتلك مرآة سحر برونزية فريدة من نوعها، من تلك المرايا التي يستعين بها السحرة في اليابان القديمة، وراح يعكس فيها روح الجمال والحزن الياباني الآسر. تمكّن هذا الكاتب حقّاً من تحريك أحاسيسي الكسولة، وإثارتها. كان صرير قلمه يستثير أعمق تلك الأحاسيس، وأبعدها. وفي الحق، لم يكن ذلك صريراً، بقدر ما كان عزفاً سماوياً على أوتار القلب. جعلتني لغته الحريرية أبصر الألوان الخاطفة بين السطور، وأتشمّم عبق اليابان في صفحاتها؛ الأغرب من ذلك، أن الملمس الناعم لكلماته، التي قرأتها، لم يزل جاثماً تحت جفوني. جميع كتبه أحبها لأنها ""تعطيني الإحساس بأنها تحتوي على شيء ساحر. ليس فقط الكلمات أو قصة الكتاب فحسب، ولكن أيضاً كل ما هو بين السطور، وكل ما نحسه ويشكّل بالنسبة للكاتب مغامرة شاملة. إنه يبادلنا ما لا يُقال، الصمت، والنظرة""ياسوناري كاواباتا، كاتب رئيسي في القرن العشرين، ومن أعظم أساتذة فن الرواية والقصة فيه. معروف بلغته الحزينة والغنائية، التي تحاكي التقاليد اليابانية القديمة، الممزوجة بجماليات الأدب الأوربي. وتتخلّل أعماله الدقيقة مشاعر الوحدة، والانشغال بالموت، متشابكة مع مشاعر الجمال، والإخلاص، والحزن. وبالنسبة إلى القرّاء والمثقفين العرب، كان هذا الكاتب أوفر حظاً من بقية الكتّاب اليابانيين في ترجمة أعماله إلى اللغة العربية. ولكن كل ما كُتب عنه، وعن أدبه كان شحيحاً، لا يتوافق مع وفرة تراجم قصصه، ورواياته إلى لغتنا. وفي هذا الفصل أحاول أن أسلط الأضواء على سيرته، وحياته، وطبيعة أدبه. يكتب كواباتا بأسلوب شخصي للغاية، وتحقّق أعماله كمالاً نادراً في التعبير عن الإحساس الجمالي النقي. ويصوّر شخصياته بعلم نفس حقيقي، ويتتبعهم حتى أعماق انحرافاتهم؛ مع ملاحظة أن كواباتا أعرب عن إعجابه بدور التحليل النفسي في الرواية الحديثة، إلّا أن إبداعه الأدبي لا يعبّر بوضوح عن الأدب النفساني، ولا يمكن مساواة رواياته بروايات التحليل النفسي الشائعة. في قصصه نجد بحثاً جمالياً، يجمع بين النقاء والشهوانية، والبحث عن أهم تعبير أساسي عن الأحاسيس. لمسته بارعة حينما يرسم صوراً عن مواضيع غريبة، وحسّاسة، عن الوحدة، والكآبة، والموت، والجمال؛ إنه يلتقط تلك اللحظات العابرة من الحياة، عندما يتغير كل شيء. الغموض سمة من سمات كتاباته، كما هو الحال في العديد من الروايات اليابانية، يجتمع الواقعي وغير الواقعي معاً. تتناوب وفرة الصور مع الفراغات والصمت. يمكن للمرء أن يتتبع أصول كواباتا الحسّي - الذي يوصف من قبل البعض بأنه غنائي أو شعري - إلى أقدم شعر في اليابان. يمكن التعرّف على الأسلوب بشكل أكبر مع أسلوب شاعر الهايكو، وكاتب مذكرات السفر ماتسوو باشو (1644 - 1694). وعلى المستوى العالمي، يتوافق الأسلوب مع ذلك الموجود في الرواية الغنائية الغربية. يمكن النظر إلى التفكير، والرمزية البوذية، والشنتوية، على أنها زودت كواباتا بمواد موضوعية، ورمزية من أجل عمله. إحدى الروابط المهمة، بشكل خاص، مع الشنتوية هو استخدامه للمياه، لترمز إلى التنقية [9]. الإلهام الشعري والحسّي أهم ما يميز كتاباته، فهو مهووس بالبحث عن الجمال الهادئ، يسعى إلى التقاط الانطباع النقي. وعمله مكرّس للتعبير عن الشعور العابر، الذي يشعر به في رؤيته لمنظر طبيعي، أو وجه، أو جلد امرأة، أو رحلة فراشة؛ واستعادة هذا الغير محسوس، الذي لا يدوم سوى بضع لحظات فقط. هذا الواقع المفرط الذي يجعل الانفعالات، التي لا توصف للمشاعر أكثر وضوحاً. هذه الانطباعات العابرة، والتي تشكّل الفروق الدقيقة للروح البشرية. وهكذا يمكن قراءة روايات ياسوناري على أنها لوحات تصويرية متناقضة، ومحسّنة، تنقل القارئ إلى عالم غني، وغامض، ومتعدّد الحواس. وهو يتعامل بمهارة مع الكتابة الشعرية، الشبيه بالحلم، ويقدم لنا روايات تأملية رائعة، تسيطر سريعاً على عواطفنا، بدقة، وتواضع، وحميمية شخصياتها، ونقائهم، وحنان مشاعرهم وعلاقاتهم. غالباً ما يعزّز كواباتا انطباعاته الحسّية من خلال ملاحظاته عن الطبيعة المحيطة، ""زاد حشد الفراشات البيضاء باستمرار، فشكّلَ حقلاً من الزهور البيضاء"". ""لدى كواباتا أسلوب مميز، تلميحي، متأثر بالهايكو الياباني الكلاسيكي، ويعكس اقتصاده في اللغة، وهي الميزة المشتركة مع هذا الهايكو. غالباً ما يميل إلى الجمل القصيرة، وعباراته السردية مقسّمة إلى فقرات قصيرة، تحتوي الفقرة، عادة، على جملة واحدة، أو جملتين، أو ثلاث. ولديه أيضاً بعض الجمل الطويلة، التي يلجأ إليها أحياناً، بحسب مقتضى الحال. وكان كواباتا متأثراً جداً بـ (الرينجا) اليابانية، وهي شكل قديم من الشعر كان شائعاً في اليابان، وكان جزءاً من المعرفة الثقافية المطلوبة للمجتمع الراقي. وفي أسلوبه يعكس تيار الوعي، ويستخدم بشكل مميز أسلوب (البؤرة) في التقاط لمحاته التصويرية. أسلوب كواباتا ناعم، متقطع، وغير مألوف، وعادة ما يتجنّب النقد الشديد تجاه المواضيع المزعجة"" [10]. لم يربط كواباتا نفسه بالأدب الغربي - الذي تأثر به بشدة ولا شك - ولكنه يربط نفسه وأدبه بجماليات الأدب الياباني وثقافته العريقة، وقيمه الروحية الشنتوية، والبوذية، ويخضع، من غير مقاومة لحب الطبيعة الساحرة في جزر اليابان، التي راحت تزين صفحات كتبه. يقول أحد الباحثين في الأدب: ""أعتقد أن روايات كواباتا هي من أروع القصائد الغنائية في القرن العشرين""["